2011/02/03

حلبجـة : شهيـدة المـدن العراقيـة ...

حسن حاتم المذكور
يذكرنا التاريخ  بأحداث  مآساويـة  مرت  بهـا المدن العراقيـة ’ ومـن  بينهـا كوارث الطاعون والكوليرا واوبئـة متداخلـة اخرى الى جانب الفيضانات  والغزو  والسلب ’ ويذكر ان الكارثـة عندما تمـر يأخـذ النسيان
طريقـه الى قلوب الناس ويواصل المجتمع حياتـه ’ وبعد تطور العلم والأكتشافات وأتساع ابعادهمـا ’ دخلت الى العراق  بعض الأمصال المضادة الى جانب اساليب الوقايـة والعلاجات السريعـة وتطويق الأوبئـة عند بدايتهـا .
عاشت المدن العراقيـة فترات مـن الأمن والبنـاء والتطور الثقافي والأجتماعي والصحي ’ ولـم يذكـر ومنذ اجيال عديدة ان هناك ثمـة كارثـة وقعت واستطاعت ان تحصـد ارواح الألاف مـن الناس مـرة  واحـدة او خـراب عـاد بالمدن العراقيـة  الى ازمنـة الكوارث  المروعـة ’ ولـم يكن مـن المتوقع ان هناك كوارثـاً ( ليس بالظرورة ان تكون طبيعيـة ) ستكرر دورة الموت اليومي والأبادة الجماعيـة ’ فكانت المفاجئآة غير المتوقعـة اطلاقاً فـي يـوم 08 / شباط / 1963 الأسود حيث  تمت تصفيـة وابادة  اكثر مـن عشرة الآف شهيـداً  مـن خيرة بنات وابنـاء العراق وخلال عشرة ايام فقـط .
ان الطاعون  البعثـي الذي استمرت اصاباتـه  وعدواه  لخمسـة عقود  تقريبـاً ’ سيتواصل وبـاءً فتاكـاً لأجيال عـديدة .
حلبجــة التي لـم تغادر سـرير برائتهـا صباح 16 / 03 / 1988 ’ تتثائب  متكاسلـة لأن احلام الناس  وافراحهـم  لا زالت غافيـة فـي احضانهـا ’ عبث الأطفال وجـدل الحبايب  وود التحايـا وقهقهـة المسنين  وحيويـة  حركـة الباعـة  والمارة  والمتجولين ’’ انهـا  حلبجـة تمارس يومهـا وعيونهـا لا تخلو مـن القـلـق ’ ثمـة حلـم مـر فـي ليلتهـا ’ ان الطاعون الرمادي قادم مـن عرين الموت ’ يحمـل الفنـاء  مشحونـاً  بالحقـد  والكراهيـة ’ لكن برائتهـا  ووداعتهـا وصفاء  نيتهـا فسـرت الحلم على انـه  اضغاث ’ انهـا لا تريـد  ان تلوث فـرح اهلهـا بأحتمالات سوداويـة لا مبرر لهـا  ’ غيـر ان حلـم فتـك الطاعون الرمادي كان حقيقـة تخترق الأجواء بأتجاههـا .
كان تفجيراً هنا واخر هناك تكررت خلال دقائق وانبعث الدخان الرمادي ’ حلبجة البريئـة الأمنة لـم تستسلـم الى قلقهـا واكتفت بالصلاة صامتـة مـن اجـل سلامـة اهلهـا ’ الدخان الرمادي يقترب منهـا  بتقاسيمـه البعثيـة  وعنصريـة روائحــه ’ كان الموت البعثي خاطفـاً سبق  رغبتهـا فـي ان تبتلـع اهلهـا  ليكون جسدهـا وحـده  الفـداء  والضحيـة ’ الطاعون البعثي  كان مجهزاً بمصـل الأكتشافات الذكيـة للغـرب  ممزوجـاً بهمجيــة  الشرق ’ سقطت حلبجـة وأفترشـت جسدهـا جثث الضحايـا ام تحتضـن اطفالهـا وجـد يحنو على حفيـده ومدرسة فقدت روحها بلا وداع ’ الشوارع انسلخت عنهـا حياتهـا  وارتدت الشمس كفن  نهارهـا  ونجوم  الظهـيرة سواد ليلهـا ’ بكـى اللـه دمـوع المدن العراقيـة وانطفـأ الصبـح فـي عيون المتبقين .
مـر الطاعون  البعثي  وبدقائق ترك  مقبـرة لأكثـر مـن عشـرة  الآف شهيداً  وارثـاً مـن المآسي والأوجاع لعشرات ومئآت السنين .
يقال ان ارادة الناس ورغبـة المدن ودعـاء اللـه يحيـي الموتـى ’ هـكـذا كانت ارادة المتبقين مـن بنات وابنـاء حلبجـة وحـزن الطيبين في العالم ودعـاء مـدن العراق واهلهـا وبكاء السماء دمـوع اللـه كفيلـة ان تعيـد الروح الى حلبجـة الشهيـدة .
استيقضت حلبجـة مـن موتهـا  وعيونهـا  مثقلـة  بـرمد الطاعون  البعثي ’ تبحث عـن ذاتهـا في دهاليز موتهـا ’ نهضت لكن جروحهـا غـائرة فـي الصميم .
حلبجـة البريئـة  الوديعـة  المضحيـة تنتظـر مؤآساة الكلمـة الطيبـة  والفعـل التضامنـي لكنهمـا تأخرا كثيراً ’ ربمـا الذيـن سيقولون ويفعلون  لـم يـولـدوا بعــد .
فـي ربيع عام 2007 زرت وبعض الأصدقاء مدينـة حلبجـة ’ كانت بوابتهـا مقبـرة جماعيـة هائلـة ’ قرأنا الفاتحة على ارواح الشهـداء وتركنا دموعـاً عراقية تذكر الحضايا ببراءة الأنسان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق